تحويل الفشل الأكاديمي الى حافزٍ للنجاح

تحويل الفشل الأكاديمي الى حافزٍ للنجاح
Spread the love

 خاص شجون عربية – بقلم: كارمن جرجي*|

  يقول هنري فورد وهو رائد أعمال ضخمة، كاتب، مخترع، سياسي، ومبتكر لسيارة فورد ومؤسس لهذه الشركة، “أن السرّ العظيم للنجاح في الحياة هو أن تدرك ما المقدّر لك فعله ثم تقوم بفعله”.

…والقيام بفعله، أيّ بلا تلكؤ ولا تكاسل، هذا هو سرّ النجاح: الاجتهاد، الإرادة والمثابرة.

       الفشل هو حالة إنسانية من الدرجة الأولى، يؤثر على مشاعر الإنسان وعلى سعادته. بُغية تفادي الفشل، يجب بذل الجهد وتنمية مهارات متنوّعة والتمتّع بإرادة صلبة والقيام بمجهود متواصل، وإذا غابت هذه العوامل يخفق المرء، عندها، أقلّ ما يجب فعله لتخفيف هذه الوطأة هو تحقيق “الإخفاق الذكيّ”.

      أمّا لتحقيق النجاح والتوازن في الحياة، لبلوغ السعادة والإكتفاء الذاتي، ولبناء حياة أفضل تلبّي الطموحات والتوقعات التي رسمها الإنسان لنفسه أو حدّد معاييرها المجتمع المحيط به، عليه أن يُطوِّر قدرته على التركيز، والتفكير والإبتكار للتوصّل الى كيفية حلّ المعضلات التي تعترضه مهما كانت بسيطة أو تتعلّق بأي جانب من جوانب الحياة، الشخصيّة، والمالية، والعملية والعلمية.

      في جميع المراحل الزمنية، ومنذ الطفولة، يجد الإنسان نفسه خلال قيامه بأيّة مهمّة، مع تفاوت أهميتها، أمام خيارات تعيقه أو تقوده لتحقيق أهدافه، وهو دائماً أمام مفهومَيْن يعتبران وجهَيْن لعملةٍ واحدة: النجاح والإخفاق. وممّا لا شكَّ فيه أنّ بلوغ الفشل في تحقيق غايةٍ ما هو أصعب من بلوغ النجاح على خلاف ما يبدو، لأن الفرد بطبيعة الحال، رغم المشقّة والتعقيد، يصبّ تركيزه ويوظّف طاقاته لتحقيق الفلاح ممّا يقلّص فرص الرسوب.

      من أكثر أنواع الفشل تأثيراً على النفس هو الفشل الأكاديمي وعلى وجهٍ خاص الرسوب في شهادة البكالوريا والشهادة المتوسطة في لبنان وسواها من البلدان، لأنّ هذه المرحلة في هذا العمر تحديداً تمارسُ ضغطاً نفسياً هائلاً على مجمل الطلّاب، وهذا قد يكون في بعض الأحيان، بالإضافة الى عوامل عدّة، أحد الأسباب الرئيسية التي تؤدي الى إخفاق الطالب.

أسباب الرسوب خلال التحصيل العلمي على العموم وخلال الإمتحانات الرسمية بشكلٍ خاص:

– تخلق الإمتحانات نوعاً من المشاعر تضع الطالب أمام تحدّياتٍ يصُبُّ بسببها تركيزه على إرضاء الأهل والمدرّسين والمجتمع المحيط به، فيصرف إنتباهه عن الهدف الأهمّ وهو إستيعاب المعلومات عند تلقُنها وتوظيفها في المكان المناسب.

– الضغوطات المالية وخاصةً في الآونة الأخيرة، إذ أنّ الوضع الإقتصادي الذي تمرّ به البلاد ينعكس على أولياء الأمور والمربّين وبالتالي يؤثر سلباً على الطلاب الذين يطغى على تفكيرهم تأثير هذه الضائقة على حياتهم الخاصّة وما يترتّب عليها من إلزامية العمل أحياناً لتقديم المساعدة وأحياناً أُخرى تؤدّي الى إهمال الدراسة أو حتى التخلّي عن إبتياع الكتب والحاجات المدرسية.

– الضغوطات الإجتماعية وهي كثيرة، فممكن أن يكون التنمّر إحداها، إنفصال الأهل، مشاكل عائلية: الطلاق، الوفاة، الإفلاس، المرض، المركز الإجتماعي أو الوضع العائلي…

– عدم جهوزية الطالب: قلّة التحضير والتمرين، عدم بذل جُهدٍ كافٍ لتعلّم ما يجهله أو لتفكيك وتحليل ما يستصعبه، وعدم إعطاء الوقت الكافي لإتمام ما هو مطلوب منه.

– الخوف والقلق: إخفاق طلاب متفوقين في الإمتحانات الرسمية أكبر دليل على ذلك، فالقلق يؤثر سلباً على صحة التفكير والتحليل المنطقي.

– الإفتقار للثقة بالنفس: وأحياناً لا تكون نابعة من الطلاب حصراً بل يمكن أن يتسبب بها المدرسون والأهل إذ يلعبون دوراً مهماً في زيادة حدّتها عندما يقومون بالإنتقاد المستمر للطالب والتقليل من شأنه مما يجعله يفقد القدرة على الإيمان بقدراته وتؤثر سلباً على أدائه، من العبارات الشائعة: “انت مش نافع لشي… بقص إيدي إذا بتنجح… ضيعان التعب فيك…”

– الإدراك المنقوص لأهمية النجاح والتحصيل العلمي وعدم فهم الهدف وراء الحصول على شهادة أكاديمية وهذا غالباً ينبع من المحيط الذي يعيش فيه الطالب، من دون التعميم لأنه أحياناً يرتبط بشخصية الطالب وطموحاته.

– بالإضافة الى الأشخاص الذين يفتقرون بالفطرة إلى الكفاءة وهم غير مهيئين أو مُوجهين لمتابعة التحصيل العلمي وإهتماماتهم تختلف في هذا الصدد، إلّا أنّ هذا يلبّي حاجات المجتمع لأصحاب المهن الحرّة.

– لا يمكن غضّ النظر عن سبب مهمّ يصيب القطاع التربوي في لبنان حالياً وهو إغلاق المدارس الرسمية لفترات طويلة وعدم قيام بعض المدرِّسين بمهامهم كاملةً في ظلّ الظروف الحالية، وأيضاً تدنّي مستوى بعض المدارس الخاصة بسبب هجرة أو مغادرة العناصر الكفوءة منها، وهذا ما يُعيق جهوزيّة الطالب، حتى أن البرنامج الأكاديمي والمنهج الدراسي لم يغطَّ بالكامل.

المراحل التي يمرُّ بها الطالب عند الإخفاق في الإمتحانات الرسميّة:

– في المرحلة الأولى من تلقّي خبر الرسوب يمرُّ الطالب بحالة صدمة يصعب فيها تقبّل الواقع، وذلك بسبب الخوف من المرحلة التالية، فتتكّون عنده حالة من الإنكار، فيشعر المحيطون به أنّه غير مدرك لأهمِّية ما يواجهه. وأحياناً نرى أنّه يخرج من البيت بإستمرار ويلجأ الى الحياة الليلية إذا كانت متاحة والنزهات مع الأصدقاء والتردُّد الى العلب الليلية…

– عندما يعي الطالب أنّه لا يمكن الهروب من جدّية الواقع ومن مسؤولياته والتحدّيات القادمة، يلجأ إلى إلقاء اللوم على أي طرف أو أيِّ عامل من الممكن أن يكون السبب في رسوبه، أيّ المدرسة، المدرّس، الأهل، الجوّ العام، صعوبة الدروس وعدم التمكُّن من فهم المنهاج. ويترافق هذا غالباً مع حالات من الغضب من النفس والسلوك العدواني تجاه من حوله.

– بعدها يُدرِك العقل الباطني الواقع الذي لا عودة منه، فيصابُ الطالب بالإكتئاب والحزن، وطبعاً تتفاوت درجة هذه المشاعر بحسب شخصية وطباع الطالب والظروف الشخصية والأشخاص المحيطين به.

– يجد الطالب نفسه مجبراً على تقبُّل الواقع والقبول به، فيبدو هادئاً، قليل الكلام، كثير التفكير.

– هنا تأتي مرحلة التبصّر واتِّخاذ القرارات فيما يتعلّق بالمرحلة الجديدة، والتخطيط والتحضير لخوض الإمتحانات من جديد.

– في بعض الحالات، يعجز الطالب عن التفكير بصواب، فيستسلم لليأس ولا يُقدِم على أيّة خطوة جدّيّة.

      الجدير بالذكر أنّ هناك فئة من الطلبة الذين يتمتعون بمستوى عالٍ من الذكاء العاطفي والإرادة والتصميم بحيث أنّ الفشل لا يؤثّر عليهم إلّا بشكل محدود، ويكونون مدركين تماماً مدى أهمّية الإجتهاد المتواصل ويكون الرسوب حافزاً لهم، وهذا يمكّنهم من الإنتقال مباشرةً الى مرحلة التحضير والإستعداد للفرصة الثانية.

ما الّذي يجب فعله؟

– دور الطالب:

– تقبّل الإخفاق، الإختلاء بالنفس وتقييم الذات للتمكّن من إستنباط السبب الأساسي الذي أدى الى الرسوب، واتّباع استراتيجية :

« What went wrong ?»

 ما الذي لم يحصل كما كان متوقّعاً؟ ما الذي أثبط التوقعات الذاتية؟.

– إمتحان القدرات الأكاديمية والتمحيص بالنواحي التي يجهلها الطالب أو يجد صعوبة في فهمها، للتمكّن من خلق قدرة على التحسين ومساحة للتقدّم.

– التسلُّح بالإرادة والتصميم والمرونة لتعزيز الثقة بالنفس واكتساب الشجاعة من جديد وعدم الإستسلام والضعف.

– التحضير والدراسة بشكل منتج يختلف شكلاً ومضموناً عمّا قبل. يمكن اللجوء الى الدروس الخصوصية أو أحد الأصدقاء، أو الأقارب أو زملاء الدراسة للمساعدة.

– الإستعانة بدليل الإمتحانات إذ تُعرض فيه نماذج لإمتحانات سابقة.

– ممارسة أيّ نوع من أنواع الرياضات الجسدية أو الروحية التي تُساهم في تحسين الصحة الفكرية وخلق فرص نجاح أكبر.

– التكرار للذات بأنّ التعب ليس إلّا مؤقتاًّ والتذكير بالنتائج الإيجابية عند إتمام الواجبات كاملةً.

– دور الأهل:

– على الأهل السيطرة على غضبهم وعواطفهم إزاء رسوب أولادهم وعدم المبالغة في ردود الفعل وتفهّم مشاعرهم.

– التحاور معهم واللجوء الى النقاش البنّاء للتمكّن من استنتاج أسباب الإخفاق، وأيضاً لمساعدتهم على وضع خطّة لتجاوز المشكلة.

– توفير بيئة مناسبة وجوّ هادئ حيث يستطيع الطالب الدراسة من دون تشويش أو تشتيت للإنتباه.

– تقديم المساعدة المعنوية أو الأكاديمية قدر المستطاع.

– تجنّب العوامل السلبية المسيئة والأحاديث المحبِطة التي تؤثّر على قدرات الطالب الفكرية وعلى استقراره النفسي والتشجيع الدائم له.

– دور المدرسة والمُربّين:

– من الطبيعي والمنطقي أن يكونوا معاً على أتمّ الإستعداد لتقديم المساعدة عند الحاجة وإعادة شرح أقسام محددة من أية مادة يواجه الطالب صعوبة في فهمها.

– تقديم الدعم المعنوي للطلاب، وتشجيعهم وحثّهم على بذل جهد إضافي.

– دور المُرشدين والخبراء النفسيين:

– الإستعانة بهم إذا دعت الحاجة لمساعدة الطلاب على تخطّي أي مشكلة نفسية، عند الضرورة وحيث يعجز الآخرون، لتخفيف وطأة الكآبة وخيبة الأمل.

على كلِّ فردٍ أن يقوم بدوره كاملاً على أمل أن يعود القطاع التعليمي في لبنان الى أمجاده والى سابق عهده، ويكون درعاً يحمي مجتمعنا من الإنحدار، وعلّ وعسى أن نتمكن من توفير الظروف المؤاتية لأبنائنا وطلابنا للنجاح والمضيّ قُدُماً بما تبقّى لنا من هذا الوطن.

وحتى تحقيق ذلك، يجب على الطلاب الإيمان بأنّ الماضي المؤلم لن يعود والإخفاق لا يجب أن يتكرر لأنّه فقط في هذه الحالة يصبح موجعاً، وأنّ الفشل ليس خطيئة، إنّما الخطيئة هي الوقوع فريسة للفشل من دون التعلّم والإستفادة من التجربة.

وكما قال فرانك سيناترا: “إنّ أفضل إنتقام هو أن تنجح بشدّة”.

فلْننتقم ببسالة، فلْننتقم بشدّة في كافة مراحل حياتنا، فلْنعبر الأنهار ونكسر الأسوار ونُحطِّم الجسور المعلّقة وندقّ الأبواب المعدنية ونبني القلاع على أنقاض البؤس والفشل، فلنكن محاربين نخوض بشراسة المعارك اليومية الحياتية، فلنكن جان دارك ونابليون وصان شو…

      إنّ أعظم ضعفٍ هو فقدان الجرأة والعزم، يجب أن نُوَّلِّدَ في داخلنا طاقةً دائمة التجدّد، طاقة عدوانية لتوظيفها لدحض الصعوبات ولتحقيق الفوز والنجاح ولمضاعفة الجهد والصبر، فالإنسان يمكن أن يكون أسوأ عدوٍ لنفسه إذا أهدر الوقت ولم يعتمد على طاقاته وذكائه وقدرته على الخلق.

 ومن وحي ما قال الباحث الأميركي روبرت غرين في كتاباته: “إذا كنت لا تتحمّل الخسارة، فلا تخسر”.

*كاتبة وتربوية لبنانية.

شجون عربية

شجون عربية